بقلم: د. باسل نعمان
باحث اقتصادى
في السنوات الأخيرة أخذت تنتشر على نحو لافت شركات ترفع لافتة التداول في الأسواق المالية وتستهدف المصريين المقيمين بالخارج بوعود براقة عن أرباح مضمونة وسريعة. هذه الكيانات التي تتخفى خلف أسماء لامعة ومنصات رقمية مصممة بعناية لا علاقة لها بالتداول الحقيقي بل تمارس أسلوبًا أقرب إلى المقامرة المنظمة مستغلة رغبة العاملين بالخارج في تنمية مدخراتهم وتحقيق حلم الحرية المالية.
تبدأ الحكاية بحملات دعائية مكثفة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تعرض عبارات جذابة مثل استثمر اليوم تربح غدًا أو عوائد تصل إلى ثلاثين في المئة شهريًا. وما إن يلتقط الضحية الطُعم حتى يتلقى مكالمات ورسائل من أشخاص يبدون محترفين يتحدثون بلغة الواثقين ويقنعونه بأن البداية لا تحتاج سوى لمئة أو مئتي دولار ليختبر المنصة بنفسه.
في المرحلة التالية تبدأ لعبة الثقة المصطنعة حيث يظهر للعميل عبر المنصة الوهمية أن أمواله تحقق أرباحًا سريعة فيطمئن قلبه ويقتنع بأن الطريق ممهد نحو الثراء فيستجيب لنصائح الموظفين ويزيد من حجم استثماراته حتى تصل إلى آلاف الدولارات تحت شعار كلما زاد رأس المال تضاعفت الأرباح.
لكن النهاية كثيرًا ما تأتي صادمة إذ يكتشف المستثمر أن المنصة توقفت عن العمل أو أن سحب الأموال يتطلب رسومًا إضافية وضرائب غير مبررة أو أن أحدًا لم يعد يرد على اتصالاته فيتبخر رأس المال بلا أثر تاركًا وراءه خسائر مالية قاسية وأحلامًا مبددة.
المصريون في الخارج يمثلون الهدف المفضل لهذه الشركات لأنهم يملكون مدخرات ويبحثون عن وسائل لتوظيفها بينما يعيقهم البعد عن الوطن عن التحقق من خلفية تلك الكيانات خاصة أن معظمها مسجل في ولايات قضائية بعيدة لا تخضع لرقابة مالية حقيقية.
خطورة هذه الظاهرة لا تقتصر على ما تكبده الأفراد من خسائر بل تمتد لتشوه صورة الاستثمار السليم وتزرع الشك في أدوات الادخار الحديثة وتضغط على أسر الضحايا الذين يعتمدون على تحويلاتهم. والحماية تبدأ بوعي المستثمرين فالشركة الجادة يجب أن تخضع لرقابة هيئة مالية معروفة ولا يوجد استثمار قانوني يضمن أرباحًا ضخمة في وقت وجيز والتحقق من سمعة المنصة وتجارب سابقة أمر لا غنى عنه كما أن استشارة خبراء ماليين قبل ضخ الأموال يظل صمام أمان يحول دون الوقوع في شباك النصابين الذين يجيدون اللعب على أحلام الناس.
ومع اتساع رقعة هذه الجرائم تصبح الحاجة ملحّة لتعاون بين البنوك والجهات الرقابية ووزارات الهجرة والاتصالات من أجل نشر التوعية بين المصريين بالخارج ورصد الصفحات والمنصات المشبوهة قبل أن تصل إلى ضحايا جدد. إن حماية المدخرات لا تتوقف عند حدود الحذر الفردي فحسب بل تتطلب أيضًا سياسات واضحة وقوانين رادعة تحاصر هذه الشركات وتغلق أمامها أبواب الاحتيال فالسوق المالي الرشيد لا يقوم إلا على الشفافية والثقة وهما الخط الفاصل بين الاستثمار الحقيقي وحيل المقامرة المقنعة.
ولا يكتمل التصدي لهذه الظاهرة إلا ببرامج تثقيف مالي ممنهجة تستهدف العاملين بالخارج وتوضح لهم أسس الاستثمار السليم وكيفية قراءة الأسواق وتقييم المخاطر فالمعرفة تظل الحصن الأول ضد محاولات الخداع وكلما ارتفع مستوى الوعي انحسرت مساحة النصابين الذين يقتاتون على جهل ضحاياهم وضعف خبرتهم.